
مقدمة
فقر الدم أو ما يُعرف بـ Anémie هو حالة طبية شائعة تتميز بانخفاض عدد خلايا الدم الحمراء (Globules rouges) أو تركيز الهيموغلوبين (Hémoglobine) في الدم، مما يؤدي إلى نقص في قدرة الدم على نقل الأكسجين إلى أنسجة الجسم.
يمكن أن يكون فقر الدم عرضًا لمرض آخر أو حالة مستقلة، وهو يؤثر على ملايين الأشخاص حول العالم، خاصة النساء والأطفال.
في هذا المقال، سنتناول بالتفصيل أسباب فقر الدم، أعراضه، وأهم الخطوات العلاجية التي يمكن اتباعها لتحسين حالة المريض.
ما هو فقر الدم؟
فقر الدم هو حالة تنخفض فيها مستويات الهيموغلوبين في الدم عن المعدل الطبيعي، وهو البروتين الموجود في خلايا الدم الحمراء المسؤول عن نقل الأكسجين من الرئتين إلى باقي أجزاء الجسم.
يختلف المعدل الطبيعي للهيموغلوبين حسب العمر والجنس، ولكن بشكل عام، يُعتبر الرجال مصابين بفقر الدم إذا انخفضت مستويات الهيموغلوبين لديهم عن 13 غرام/ديسيلتر، بينما تُعتبر النساء مصابات إذا انخفضت عن 12 غرام/ديسيلتر. هناك أنواع مختلفة من فقر الدم، تتراوح بين الحالات البسيطة التي يمكن علاجها بسهولة إلى الحالات الشديدة التي قد تهدد الحياة إذا لم تُعالج.
أعراض فقر الدم
تختلف أعراض فقر الدم حسب شدته وسرعة تطوره. في الحالات الخفيفة، قد لا يلاحظ المريض أي أعراض، بينما في الحالات المتوسطة إلى الشديدة، تظهر أعراض واضحة تشمل التعب الشديد والإرهاق المستمر، حتى بعد الراحة، الضعف العام، وصعوبة في التركيز.
كما يعاني المرضى من شحوب الجلد والأغشية المخاطية، خاصة في الوجه، الشفاه، وتحت الأظافر، بالإضافة إلى تسارع ضربات القلب (Tachycardie) أو الشعور بخفقان القلب (Palpitations) نتيجة محاولة الجسم تعويض نقص الأكسجين.
من الأعراض الأخرى ضيق التنفس (Dyspnée)، خاصة أثناء الجهد البدني، الدوخة أو الدوار، والصداع المستمر.
في الحالات الشديدة، قد يشعر المريض بألم في الصدر نتيجة نقص الأكسجين في عضلة القلب، وقد يعاني من برودة في الأطراف، خاصة اليدين والقدمين. بعض أنواع فقر الدم قد تترافق مع أعراض إضافية مثل اليرقان (Ictère) في حالة فقر الدم الانحلالي (Anémie hémolytique)، أو الشعور بوخز في الأطراف في حالة نقص فيتامين B12.
أسباب فقر الدم
تتعدد أسباب فقر الدم ويمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات رئيسية: نقص إنتاج خلايا الدم الحمراء، زيادة تكسير خلايا الدم الحمراء، أو فقدان الدم.
من الأسباب الأكثر شيوعًا نقص الحديد (Carence en fer)، وهو السبب الرئيسي لفقر الدم عند النساء في سن الإنجاب بسبب الحيض الغزير أو الحمل. نقص الحديد قد ينتج أيضًا عن سوء التغذية، أو سوء الامتصاص في الأمعاء بسبب أمراض مثل الداء البطني (Maladie cœliaque).
كذلك، نقص فيتامين B12 أو حمض الفوليك (Acide folique) قد يؤدي إلى فقر الدم الضخم الأرومات (Anémie mégaloblastique)، وهو شائع عند الأشخاص الذين يعانون من سوء امتصاص هذه الفيتامينات أو يتبعون نظامًا غذائيًا نباتيًا دون تعويض مناسب.
من جهة أخرى، الأمراض المزمنة مثل التهاب المفاصل الروماتويدي (Polyarthrite rhumatoïde) أو الفشل الكلوي (Insuffisance rénale) قد تسبب فقر الدم بسبب نقص إنتاج الإريثروبويتين (Érythropoïétine)، وهو الهرمون المسؤول عن تحفيز إنتاج خلايا الدم الحمراء.
فقدان الدم الحاد أو المزمن هو سبب شائع آخر، مثل النزيف الناتج عن القرحة المعدية (Ulcère gastrique)، الدورة الشهرية الغزيرة، أو الإصابة. أما فقر الدم الانحلالي فيحدث عندما يتم تكسير خلايا الدم الحمراء بشكل أسرع من إنتاجها، كما في حالات الأمراض المناعية مثل الذئبة الحمراء (Lupus Érythémateux Systémique) أو اضطرابات الدم الوراثية مثل فقر الدم المنجلي (Anémie falciforme). أخيرًا، اضطرابات نخاع العظم مثل فقر الدم اللاتنسجي (Anémie aplasique) أو سرطان الدم (Leucémie) قد تؤدي إلى نقص إنتاج خلايا الدم الحمراء.
تشخيص فقر الدم
تشخيص فقر الدم يبدأ بأخذ التاريخ الطبي للمريض والفحص السريري لتحديد الأعراض والبحث عن علامات مثل شحوب الجلد أو تسارع ضربات القلب.
تُجرى فحوصات الدم لتأكيد التشخيص، وأهمها تعداد الدم الكامل (Numération Formule Sanguine - NFS) الذي يقيس مستويات الهيموغلوبين، عدد خلايا الدم الحمراء، ومؤشرات أخرى مثل الحجم المتوسط لخلايا الدم الحمراء (Volume Globulaire Moyen - VGM).
لتحديد سبب فقر الدم، قد يُطلب قياس مستويات الحديد في الدم، الفيريتين (Ferritine) لتقييم مخزون الحديد، ومستويات فيتامين B12 وحمض الفوليك.
في حال الاشتباه بفقر الدم الانحلالي، تُجرى اختبارات مثل اختبار كومبس (Test de Coombs) للكشف عن الأجسام المضادة التي تسبب تكسير خلايا الدم الحمراء.
إذا كان هناك اشتباه في اضطرابات نخاع العظم، قد يُطلب أخذ عينة من نخاع العظم (Biopsie de moelle osseuse) لفحصها.
في بعض الحالات، تُجرى فحوصات إضافية مثل التنظير الهضمي (Endoscopie digestive) للكشف عن مصادر النزيف في الجهاز الهضمي، أو تحاليل لتقييم وظائف الكلى والكبد لاستبعاد الأمراض المزمنة.
علاج فقر الدم
يعتمد علاج فقر الدم على السبب الأساسي وشدة الحالة. في حالة فقر الدم الناتج عن نقص الحديد، يُوصى بتناول مكملات الحديد (Suppléments de fer) مثل كبريتات الحديد (Sulfate ferreux)، مع الحرص على تناولها مع فيتامين C لتحسين الامتصاص. يُنصح أيضًا بزيادة تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل الكبد، اللحوم الحمراء، والسبانخ.
في حالة نقص فيتامين B12، يتم إعطاء حقن فيتامين B12 أو مكملات عن طريق الفم، مع تعويض حمض الفوليك إذا لزم الأمر. إذا كان فقر الدم ناتجًا عن مرض مزمن، يتم التركيز على علاج المرض الأساسي، مثل استخدام الأدوية المضادة للالتهاب في حالات التهاب المفاصل الروماتويدي.
في حالات فقدان الدم الحاد، مثل النزيف الناتج عن إصابة أو قرحة، قد يحتاج المريض إلى نقل دم (Transfusion sanguine) لتعويض الدم المفقود. أما في حالات فقر الدم الانحلالي الناتج عن أمراض مناعية، فقد تُستخدم الأدوية المثبطة للمناعة مثل الكورتيكوستيرويدات (Corticostéroïdes) أو الأدوية مثل الريتوكسيماب (Rituximab).
في الحالات الشديدة الناتجة عن اضطرابات نخاع العظم، قد يُلجأ إلى زراعة نخاع العظم (Greffe de moelle osseuse) أو استخدام عوامل محفزة لإنتاج خلايا الدم الحمراء مثل الإريثروبويتين الاصطناعي (Érythropoïétine recombinante). من جهة أخرى، يُنصح المرضى باتباع نظام غذائي متوازن، تجنب المواد التي تعيق امتصاص الحديد مثل الشاي والقهوة أثناء تناول مكملات الحديد، والحرص على المتابعة الطبية الدورية لتقييم استجابة العلاج.
متى يجب زيارة الطبيب فورًا؟
هناك أعراض تحذيرية تستدعي زيارة الطبيب فورًا، مثل ضيق التنفس الشديد، ألم الصدر، الدوخة المستمرة أو فقدان الوعي، وكذلك ظهور دم في البراز أو البول، مما قد يشير إلى نزيف داخلي.
خاتمة
فقر الدم هو حالة طبية شائعة يمكن أن تتراوح بين البسيطة والخطيرة، ويعتمد علاجها على تحديد السبب الأساسي بدقة. من خلال التشخيص المبكر والعلاج المناسب، يمكن للمرضى تحسين حالتهم الصحية واستعادة نشاطهم اليومي.
إذا كنت تعاني من أعراض تشير إلى فقر الدم، فلا تتردد في استشارة طبيب باطني مختص للحصول على التشخيص والعلاج المناسبين.